Scroll down

هل وقود الطائرات المستدام هو الحل لقطاع طيران أخضر؟
يبذل قطاع الطيران جهوداً عظيمة لخفض انبعاثاته الكربونية، وهو حلم أصبح أقرب إلى الحقيقة بفضل وقود الطائرات المستدام الذي يقدم حلاً لا يستهان به لهذا التحدي.
يلعب قطاع الطيران دوراً حيوياً في الاقتصاد العالمي، وهو أمر لا يخفى على أحد، ومع ذلك ، فهو أيضاً مساهم كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وللتحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، لا بد من الحد من تأثيرات القطاع على البيئة. ولتحقيق ذلك، يبرز وقود الطائرات المستدام كأحد الحلول العملية التي يمكن الاستناد عليها في مساعينا هذه.
يساهم قطاع الطيران بشكل كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية، وهو مسؤول عن حوالي 2.5 إلى 3.5% من إجمالي هذه الانبعاثات. ففي عام 2019 وحده، كان القطاع مسؤولاً عن حوالي 915 مليون طن من أصل 43 مليار طن من هذا النوع من الانبعاثات.
ومع ذلك، وعلى الرغم من تأثيره البيئي، يعد الطيران وسيلة نقل ذات قيمة جوهرية، فهو يمثل أكثر من 35% من قيمة التجارة العالمية رغم استحواذه على نسبة 1% فقط من إجمالي شحنات التجارة. ومن ناحية أخرى، يُولِّد القطاع ما يقارب من 1 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي ويوفر ملايين الوظائف في جميع أنحاء العالم، وبالتالي، يمتلك قطاع الطيران نفوذاً اقتصادياً يعادل مكافئاً للدولة السابعة عشر الأكثر ثراءً في العالم.
ولهذه الأسباب، يستحيل الوصول لحلول مستدامة في مجال النقل الجوي دون خفض الانبعاثات الكربونية. ومن هنا، تلتزم الفنار للمشاريع بتطوير حلول مبتكرة لتلبية المتطلبات المستقبلية لوقود الطائرات.
تحدي خفض انبعاثات الكربون
إن تعزيز الاستدامة في قطاع الطيران ليس أمراً حديث العهد. وبالرغم من الجهود المبذولة والاستثمارات المكرّسة لتقديم حلول بديلة للوقود، إلا أن خفض انبعاثات الكربون في قطاع الطيران لا يخلو من التعقيدات. ويتطلب هذا المسعى التعاون بين جميع جهات القطاع، إضافة إلى الجهات الحكومية، ويستدعي مجموعة من الحلول والتقنيات المبتكرة.
وعليه، يجب أن تكون الحلول مجدية تجارياً، فنظراً للدور الحيوي الذي يلعبه قطاع الطيران في الاقتصاد العالمي، فإن إعطاء الأولوية لفعالية التكلفة أمر بالغ الأهمية عند دمج حلول وقود الطيران المستدام. وتعتمد الكثير من الشركات على موثوقية الطيران ومعقولية أسعاره في تشغيل سلاسل إمداداتها. وتصل أسعار مصادر الوقود البديلة إلى ثمانية أضعاف سعر وقود الطائرات الحالي، وهذا يعني بلا شكّ أن اعتمادها سيرفع أسعار عمليات التشغيل اليومية لهذه الشركات، مما قد يقضي على ميزة القطاع التنافسية.
وفيما يتم اختبار المصادر البديلة للوقود السائل، لا توجد الكثير من الحلول التي يمكن استخدامها على نطاق واسع وبأسعار معقولة على نحو سريع وموثوق كما هو حال في الوقود الأحفوري. فالوقود المستخدم في الوقت الحاضر يُظهر كفاءة استثنائية في استخدام الطاقة، فهو يوفر طاقة هائلة مقارنة بوزنة الخفيف نسبياً. ونظراً لسعره المغري، لا تستطيع مصادر وقود الطائرات البديلة منافسته.
وأخيراً، ففي حين أن إحراق الوقود الأحفوري لتوفير الوقود اللازم لتشغيل الطائرات ينتج عنه انبعاثات مهولة لغازات الاحتباس الحراري، إلا أنه ليس المشكلة الوحيدة التي تعرقل جهود خفض الانبعاثات الكربونية للقطاع، فهناك أيضاً المطارات، التي ينبعث منها النطاق 1 و2 و3 من غازات الاحتباس الحراري. ولهذه الأسباب، يصبح تطوير البنية التحتية الحيوية لقطاع الطيران نقطة محورية أساسية لتحديد أولويات جهود خفض الكربون، بدءاً من تخزين الوقود إلى نقله وحتى تطوير حظائر الطائرات والمباني الموفرة للطاقة.
وقود طائرات مستدام لمستقبل أكثر استدامة
يعد وقود الطائرات المستدام السبيل لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في قطاع الطيران، فهو يتكون من وقود سائل من مصدر مستدام مخلوط بوقود الطائرات الأحفوري، وبالتالي، فهو يحافظ على فعالية الطاقة مع تقليله لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 80%، وذلك دون إحداث أي تغيير على محركات الطائرات وخزانات الوقود.
وبالرغم من تركيبة الوقود المستدام التي تشبه التركيبة الكيميائية لوقود الطائرات الأحفوري، إلا أنه يمكن إنتاجه بطريقة أكثر استدامة من المواد الوسيطة المستدامة، مثل مخلفات الزيوت والشحوم والكتلة الحيوية ومخلفات الطعام والنفايات البلدية الصلبة وحتى النفايات التجارية التي تحتوي على مخلفات التعبئة والورق والأقمشة وغيرها.
ونحن في الفنار للمشاريع بدأنا بتوسيع خططنا وأنشطتنا التنموية المرتبطة بوقود الطائرات المستدام. والجدير بالذكر أن شركات الطيران تسارع باعتماد الوقود المستدام لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. فمع أن الوقود المستدام يستخدم في 0.1% فقط من رحلات الطيران حالياً، إلا أن إنتاجه والطلب عليه في تزايد متسارع. إذ وصل الإنتاج العالمي للوقود المستدام إلى 300 مليون لتر، وهي زيادة بمقدار 200% عن معدلاته في عام 2021. وللتعويض عن نحو 65% من وقود الطائرات المشتق من المواد الأحفورية، يجب زيادة إنتاج الوقود المستدام إلى 450 مليون لتر بحلول 2050، الأمر الذي يمثّل فرصة كبيرة لشركاء الإنتاج وتحدياً جسيماً في آن معاً.
الشرق الأوسط يتصدى لتحديات وقود الطائرات المستدام
يلعب السفر الجوي دوراً حيوياً في دفع اقتصادات دول الشرق الأوسط. وتعد المنطقة مركزاً أساسياً يربط بين الرحلات الجوية العالمية، لا سيما وأنها موطن لمطار الملك فهد الدولي في الدمام بالمملكة العربية السعودية، والذي يعد أكبر مطار في العالم.
ومع ذلك، تمتد أهمية قطاع الطيران إلى ما هو أبعد من الاتصال العالمي، فهو يحفز الاقتصادات المحلية بشكلٍ كبير. ففي المملكة العربية السعودية وحدها، يوفر قطاع الطيران نحو 594 ألف وظيفة، في حين تُسهم الرحلات الجوية والسياحة في 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ومع تركيز رؤية المملكة على الاستدامة، فإن خفض انبعاثات الكربون يعدّ أولوية.
ولكن، مع ارتفاع درجات الحرارة في الشرق الأوسط، فإن شراء الوقود المستدام المحلي ينطوي على تحديات لوجستية. فلا يوجد في المنطقة سوى النباتات المقاومة للحرارة، ما يعني أن منتجي الوقود سيتحتم عليهم استخدام تقنيات مبتكرة للحصول على ما يكفي من المواد الوسيطة محلياً. وبالرغم من هذا التحدي، فإن شركات الطيران في الشرق الأوسط ما زالت تستكشف جدوى الوقود المستدام من خلال الشراكات والتعاونات المختلفة. فمثلاً، تخطط الخطوط الجوية القطرية لاستخدام الوقود المستدام في 10% من طائراتها بحلول 2030، فيما وقّعت دولة الإمارات العربية المتحدة مذكرة تفاهم مع شركة جنرال إلكتريك للطيران الأمريكية لإجراء رحلة جوية تجريبية تعتمد على الوقود المستدام بشكل كامل.
وفي الفنار للمشاريع، ندرك تماماً أهمية الوقود المستدام في الوصول لقطاع طيران أخضر، ونسعد بمشاركتنا في مشاريع تدعم إنتاج الوقود المستدام. فنحن مثلاً نعمل على تطوير مشروع الوقود الأخضر في المملكة المتحدة، وهو في مرحلة الهندسة والتصميم الأولية، ومن المتوقع بدء إنشائه في 2024، حيث سيسفر عن منشأة تقوم بتحويل حوالي 1 مليون طن سنوياً من المواد الوسيطة المكونة من النفايات الصلبة (مثل النفايات البلدية الصلبة والوقود المشتق من النفايات والنفايات الصناعية والتجارية) إلى وقود مستدام للطيران. ومع إنتاجه أكثر من 130 ألف طن سنوياً من وقود الطائرات المستدام، سيقدم هذا المشروع مصدراً أساسياً للوقود بالنسبة لقطاع الطيران العالمي. وتعتزم الفنار للمشاريع تطوير عدة مشاريع أخرى لإنتاج الوقود المستدام، منها في المملكة المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط بحلول 2035.
كما سيصبح مطار الملك سلمان الدولي الذي يتوقع أن يبدأ عمله بحلول 2030 من أكثر المطارات التي تشهد حركة عالمياً، مع الحفاظ على أعلى درجات الاستدامة الإنشائية. ويضم تصميمه أحدث المبادرات الخضراء، وسيُشغل باستخدام الطاقة المتجددة، ليصل بذلك إلى درجة شهادة LEED البلاتينية التي تثبت التزامه بمعايير الاستدامة المعترف بها عالمياً.
مستقبل مشرق
يواجه العالم الآن تحدياً ليس بالسهل، إذ عليه الموازنة بين مساعي خفض انبعاثات الكربون في قطاع الطيران دون التسبب بأي تأثيرات سلبية على المستهلكين والاقتصاد العالمي. ولتحقيق ذلك، لا بد من عقد شراكات مثمرة والتعاون مع مختلف الجهات الفاعلة في رحلة تبنينا لوقود الطائرات المستدام. لذا، فإننا في الفنار للمشاريع نسعى لتكريس عقود من الخبرة في تطوير المشاريع والإنشاءات الهندسية والمعرفة التقنية بهدف الارتقاء بنهجنا في إنشاء البنية التحتية المستدامة لغد أفضل.