Scroll down

الهيدروجين الأخضر بين الفرص والتحديات
بالرغم من استثمار مليارات الدولارات في مشاريع الهيدروجين الأخضر خلال 2022، إلا إنه لا تزال هُناك عقبات كبيرة أمام عمليات التنفيذ.
على مدى السنوات القليلة الماضية، شهدت الاستثمارات في مشاريع الهيدروجين الأخضر ارتفاعاً ملحوظاً، ومن المتوقع أن تشهد السوق نمواً أكبر وسط التزام القطاعين العام والخاص بضخ المزيد من المليارات لتنفيذ مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر، وعلى الرغم من زيادة حجم الاستثمار، إلا أن استغلال الإمكانات الكاملة للهيدروجين الأخضر كمصدر للوقود يتطلب ما هو أكثر من الدعم المالي، لا سيما مع اعتماد غالبية إمدادات الهيدروجين العالمية على الوقود الأحفوري.
انطلاقاً من إيماننا بإمكانات الهيدروجين الأخضر، فإننا في الفنار للمشاريع لا ندخر جهداً في تبني هذه التقنية وتوظيفها في مختلف مجالات أعمالنا؛ حيث وقعنا في أغسطس 2022 مذكرة تفاهم لتطوير مشروعنتاج 100 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً في العين السخنة بمصر، وذلك بالتعاون مع كل من الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس والصندوق السيادي المصري والشركة المصرية لنقل الكهرباء وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة.
وتضطلع مثل هذه المشاريع بدور حاسم في دمج الهيدروجين الأخضر ليكون جزءًا من مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، بالإضافة إلى تسليط الضوء على إمكاناته ومجالات تطبيقه ومستوى التعقيد الذي ينطوي عليه.
ما هو الهيدروجين الأخضر؟
إن سوق الهيدروجين قائمة بالفعل، وتقدّر قيمتها بمليارات الدولارات؛ إذ تتوقع الوكالة الدولية للطاقة (IEA) أن يتجاوز الطلب على الهيدروجين الأخضر 500 مليون طن بحلول عام 2050، ما يمثّل زيادة هائلة مقارنةً بالطلب في 2020 والذي بلغ 87 مليون طن، ولكن، بالنظر إلى السوق فإننا نرى بان هذه التقديرات فيها شيء من التحفظ؛ إذ تدل جميع المؤشرات إلى أن معدل النمو الفعلي سيكون أعلى بكثير بالرغم من وجود مشكلة وهي أن إنتاج الهيدروجين في حالته الحالية يُسفر عن انبعاثات كربونية هائلة؛ ففي عام 2018، اعتمد ما نسبته 95% من إنتاج الهيدروجين على الوقود الأحفوري؛ ورغم تزايد الاهتمام بالهيدروجين في الوقت الحالي كمصدر بديل للطاقة، إلا أن نسبة الهيدروجين الأخضر في عمليات إنتاج الهيدروجين المُتداول في السوق هذه الأيام هي نسبة ضئيلة للغاية.
ويحدث استخراج الهيدروجين عادةً عن طريق حرق الغاز الطبيعي مع احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (وهذا ما يُسمى بالهيدروجين الأزرق) أو حرق الوقود الأحفوري ويسمى (الناتج بالهيدروجين الرمادي)، وفي الوقت الحالي، يعدّ الغاز الطبيعي المصدر الأساسي لإنتاج الهيدروجين، إذ يمثّل حوالي 75% من الإنتاج العالمي المخصص للهيدروجين البالغ حوالي 70 مليون طن، الأمر الذي يساهم في ارتفاع الانبعاثات العالمية، من جهة أخرى، يمكن استخراج الهيدروجين الأخضر من خلال عملية كيميائية تُعرف باسم التحليل الكهربائي، يُستخدم فيها تيار كهربائي يعمل على فصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء، وفي حال الحصول على الكهرباء المستخدمة لهذه العملية من مصادر متجددة، لن يسفر إنتاج الهيدروجين الأخضر عن انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وانتشاره في الغلاف الجوي.
أو: هل سيصبح الهيدروجين الأخضروقود المستقبل؟
لا يعد الهيدروجين الأخضر ابتكاراً حديثاً، إلا أن قدرته على أن يكون مصدراً فعّالاً ومستداماً للطاقة النظيفة كانت محل شك لأسباب وجيهة، إذ أدت المشاكل المتعلقة بالتقنية وارتفاع تكلفة الإنتاج إلى الحد من تنفيذه على نطاق واسع.
لكن، يبدو أن الحال بدأ يتغيّر، فمع استمرار انخفاض إمدادات الكهرباء المتجددة وتدني تكاليفها، أصبحت عملية استخراج الهيدروجين من المياه أقل تكلفةً، ناهيك عن التطور المتزايد في التقنية المستخدمة لاستخراج الهيدروجين والذي يحفّز موجة متجددة من الاهتمام العالمي، فعلى سبيل المثال، تطمح دولة الإمارات العربية إلى الاستحواذ على 25 بالمئة من سوق وقود الهيدروجين العالمي منخفض الكربون بحلول عام 2030، وذلك ضمن توجهات استراتيجية الهيدروجين الجديدة التي تتبناها، وفي الوقت نفسه، أطلقت الأمم المتحدة مبادرة "منجنيق الهيدروجين الأخضر Green Hydrogen Catapult"، والتي تهدف إلى دعم عمليات إنتاج الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع وخفض تكلفة هذه العمليات بنسبة تتراوح بين 50%-70% بحلول 2030، وذلك من خلال مجموعة من اقتصاديات الحجم وتحسين عمليات تصميم الأنظمة والتصنيع والطاقة، وفي حال سارت الأمور حسب الخطة المرسومة، فقد تصل التكلفة العالمية إلى أقل من دولارين للكيلوجرام الواحد خلال مدة لا تتجاوز العقد من الزمن.
قد يثمر كل هذا عن فوائد جمّة منها على سبيل المثال لا الحصر خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون؛ إذ تشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة أن الانتقال الكامل إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر يمكن أن يوفر حتى 830 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً، كما يمكن الاستفادة من الهيدروجين الأخضر في مجالات أخرى بفضل سهولة تخزينه وتحويله إلى مشتقات أخرى، أضف إلى ذلك إمكانية شحن الهيدروجين عبر جميع أنحاء العالم دون إهدار الطاقة على عكس الكهرباء التي تتطلب النقل لمسافات طويلة.
وعليه، يمكن إنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة الشمسية المتوفرة بكثرة في الصحراء فضلاً عن إمكانية نقله عبر خطوط الأنابيب إلى شمال أفريقيا وشحنه بغرض استخدامه في أستراليا، الأمر الذي يشير إلى أن الهيدروجين الأخضر قادر على إحداث تغييرات منهجية في طريقة إنتاج الطاقة وتوزيعها واستخدامها، وهذا ما يدفع الحكومات والشركات نحو المشاركة في تطوير تقنية الهيدروجين الأخضر ونشرها.
معوقات تبني الهيدروجين الأخضر
إن تسخير إمكانات الهيدروجين الأخضر بشكل كامل وتلبية الطلب المتزايد على الطاقة النظيفة ليس بالأمر السهل؛ فهو يتطلب استثمارات هائلة من قبل القطاعين العام والخاص في جميع أنحاء العالم، وخير دليل على ذلك مشروع منشأة إنتاج الهيدروجين الأخضر في العين السخنة الذي تشارك فيه الفنار للمشاريع وتطلب مستوى عالي من التعاون بين القطاعين العام والخاص لإنجازه على أرض الواقع، وفي الإطار ذاته، تشير تقارير صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة أن أعداد متزايدة من البلدان بدأت تطبّق سياسات تدعم الاستثمار المباشر في تقنيات الهيدروجين الأخضر، مع وضع حوالي 50 هدفاً وتفويضاً وشهادةً وحافزاً سياسياً بهدف الترويج لتبني هذا المصدر.
في الوقت الذي تركّز فيه معظم هذه السياسات على قطاع النقل والمواصلات، إلا أن هناك فرصة مواتية لتوظيف الهيدروجين الأخضر في مجالات البناء والتشييد والبنية التحتية العامة والحلول الزراعية مثل الأسمدة، كما يمكن مزج الهيدروجين في شبكات الغاز الطبيعي الحالية دون الحاجة إلى إجراء تغييرات ضخمة في البنية التحتية، الأمر الذي سيمكننا من تشغيل الغلايات أو خلايا الوقود المتخصصة، ناهيك عن قدرة الهيدروجين على الاندماج في عمليات الصناعة القائمة والبنية التحتية وسلاسل القيمة والتي ستكون بمثابة مؤشر رئيسي على نجاحه على مدى العقود القادمة.
تحويل الخطط والدراسات إلى واقع عملي
نؤمن في الفنار للمشاريع أن أحد أهم عوامل نجاح المشاريع الضخمة هو تبادل المعارف والخبرات، وهو ما يجعلنا حريصين دائمًا على مشاركة خبرتنا وأفكارنا الريادية بما يصب في منفعة جميع الأطراف، وندرك أن هذا النهج القائم على المشاركة سيكون بمثابة حجر الأساس ليتمكن العالم من تسخير القيمة والإمكانات الكاملة للهيدروجين الأخضر.
نعلم أن الطريق لا يزال طويلاً؛ ولكن مبادرات مثل "منجنيق الهيدروجين الأخضر Green Hydrogen Catapult"، ومشاريع كتلك التي نشارك في تنفيذها في مصر عندما تحقق النجاح، سنكون على بُعد خطوة واحدة من تبني تقنيات الهيدروجين الأخضر في جميع أنحاء العالم، وسيشهد العقد القادم نقطة تحول في عصر الهيدروجين الأخضر، ونحن متحمسون حقاً لأن نكون جزءاً من هذا العصر.