Scroll down

دور شراكات القطاعين العام والخاص في استدامة البنية التحتية
في حين كانت الاستثمارات الخاصة في مشاريع البنية التحتية قد شهدت تراجعاً حادًا خلال جائحة كوفيد 19، إلا أنها عادت وارتفعت ب49% في عام 2021، وهي نسبة لا يُستهان بها، لذا لا بد من متابعة تعزيزها للتوصل إلى اقتصاد منخفض الانبعاثات الكربونية.
لا يشكل تطوير تقنيات البنى التحتية الجديدة والمبتكرة وطرحها في الأسواق سوى جانب واحد من جوانب مكافحة الآثار القاسية للتغير المناخي، حيث ينطوي الجانب الآخر على تعاون القطاعين العام والخاص وتشاركهما الرؤى والوعي بالقيمة البالغة التي يقدمها كلٌّ منها على طريقته، فتتيح مثل هذه الشراكات بين القطاعين الفرصة للقطاع الخاص لكي ينجح في تقديم الدعم طويل الأمد للقطاع الحكومي الذي يسعى جاهدًا لإحداث تغييرات جذرية في طرق تصميم البنى التحتية وصيانتها وإنشائها من أجل خدمة المجتمعات.
وتشير إحصاءات البنك الدولي إلى أنّ العالم شهد انخفاضًا حادًا في الاستثمارات الخاصة عام 2020، وذلك في ظل تأثره بالتحديات التي فرضها حظر التجول والتباعد الاجتماعي والحجر الصحي بسبب جائحة كوفيد 19، وهو ما أدى لتعثر الكثير من مشاريع الإنشاءات وتوقفها، لتعود بعد ذلك وتواصل نشاطها حول العالم بعد فترة الركود التي أحاطت بها.
وتظهر هذه الأرقام أن الاستدامة تحتل مكانة كبرى في المشاريع التي تُنفذ بالتعاون بين القطاعين العام والخاص، ففي عام 2021 تركزت 95% من مشاريع القطاعين العام والخاص الهادفة لتوليد الطاقة حول مصادر الطاقة المتجددة، فيما تلقت مشاريع المياه والصرف الصحي أضخم استثماراتها منذ 10 سنوات، ومع سعي حكومات العالم أجمع لتسريع الانتقال نحو اقتصادات منخفضة الكربون، تبرز شراكات القطاعين العام والخاص باعتبارها أفضل أداة لتطوير بنى تحتية أكثر استدامة.
حاجة البنية التحتية للاستثمارات
ما زلنا في طور البدايات، فبحسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يبلغ حجم الاستثمارات اللازم ضخها في البنية التحتية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة أكثر من ستة تريليونات دولار سنوياً، أي ما يعادل ضعف الناتج المحلي الإجمالي لدولة الهند في 2021 تقريباً، وفي حين أن تحويل البنى التحتية القائمة إلى بنى مواتية للبيئة مهمة لا يستهان بها، إلا أنه يتعين علينا أيضًا تعزيز وصول جميع الأفراد إلى الموارد الأساسية، إذ يُقدر أن حوالي مليار شخص حول العالم لا كهرباء لديهم اليوم، الأمر الذي يبقيهم في معزل عن الاقتصاد الرقمي ويحول دون مشاركتهم فيه، لذا لا تقتصر مسألة التنمية المستدامة على خروجنا بطرق لتخفيض استهلاكنا للموارد في مشاريع البنية التحتية فحسب، بل تتعدى ذلك لتشمل توسيع رقعة عملنا أيضًا.
ولا شك بأن المبالغ المطلوبة هائلة لتنفيذ مثل هذه الأهداف، إلا أنّها تمثل أيضًا فرصة العمر لمطوري المشاريع. فمع استمرار تأثر الشعوب بتغير المناخ والنمو السكاني والتحضر، لا بد من معالجة قضايا البنية التحتية ومن تدخل المطورين لحل هذه المسائل، لا سيما وأن مدنًا كثيرة مأهولة منذ وقتٍ بعيد باتت تواجه الآن تحديات معقدة ناتجة عن النمو السكاني.
لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه: "هل ننتظر وقوع الكارثة أم نبدأ منذ الآن بالتحكم بالمخاطر المرتقبة"؟
أهمية تعاون القطاعين العام والخاص
في رصيد الفنار للمشاريع خبرة عريقة في العمل مع القطاع العام وتنفيذ مشاريع واسعة النطاق في هذا السياق، ففي عام 2022 تعاونت الفنار مع جهات حكومية عدة في مصر لتنفيذ مشروع طموح تمثّل ببناء منشأة للهيدروجين الأخضر في منطقة العين السخنة، وعلى مدى أربعة عقود، ارتسمت في أذهاننا صورة ما يلزم فعلًا للنجاح في مثل هذه المشاريع كما والقيمة التي تقدمها للمجتمعات المعنية.
ولعل السرّ الأكبر وراء نجاح مشاريع الشراكات بين القطاعين العام والخاص يكمن في إدراك قوة هذا النموذج لدى الاستفادة منه بالشكل الصحيح، فلا بد أولاً من منح الأولوية للمشاريع التي تركز على إيجاد أعلى قيمة اجتماعية واقتصادية في المرحلة الأولية للتخطيط للاستثمارات، وفي حين أن الاعتبارات التجارية أساسية بلا أدنى شك، إلا أنه لا بد من تحقيق التوازن بينها من جهة وبين المخاطر والعوامل البيئية والمالية والاجتماعية من جهة أخرى، ويُذكر أن للشراكات بين القطاعين العام والخاص مكانة جوهرية في مشاريع بنية تحتية طموحة كثيرة في العالم، ومنها برنامج تحقيق رؤية السعودية 2030 ومشروع "لايتهاوس جرين فيولز" لإنتاج وقود طيران مستدام في المملكة المتحدة.
أما السر الثاني، فيكمن في النظر مليًّا في تأثيرات التغير المناخي طويلة الأمد المحتملة لدى تصميم المشروع، إذ غالبًا ما تسعى شراكات القطاعين العام والخاص إلى تحقيق الجودة والقيمة طويلة الأمد، وليس إنشاء الأصول فحسب، وهو ما يُنجح جهودها في طرح حوافز التكيف المناخي وتخفيف المخاطر ودمجها ضمن تصميم مشاريع التطوير والبنية التحتية وتنفيذها.
ولتحقيق ذلك بفعالية، لا بد أن يتوخى القطاع العام في هذه المشاريع المشتركة المرونة الكافية لكي يسمح للقطاع الخاص بتأدية الدور الذي وجد لأجله، ألا وهو الابتكار، خصوصاً في ظل وسع وتعقيد التحديات المنوطة بتخفيف آثار التغير المناخي، ومن هنا يتعين على الحكومات تنفيذ أطر عمل داعمة للابتكار وحمايته لدى إدارة المخاطر والشكوك المحيطة بمشاريع البنية التحتية طويلة الأمد، كما تمتد أهمية المرونة هذه لتطال أيضًا العقود التي تركز على تصميم الإجراءات اللازمة بما أنه يستحيل توقع المستقبل، خصوصاً في ظل التغيرات المناخية التي نشهدها، لذا لا بد للشراكات بين القطاعين أن تدرس كل خيارات ونماذج العمل المتاحة أمامها لتنتقيَ طرق التنفيذ التي تلائمها الأكثر.
فوائد مشاريع القطاعين العام والخاص
تحديات كثيرة تواجه تحفيز القطاعين العام والخاص على التعاون أكثر في مشاريع بنى تحتية في الدول ذات الدخل المنخفض، وذلك لعدد من الأسباب الهيكلية، منها ارتفاع تكاليف المعاملات وانخفاض العائدات المعدلة وفقًا للمخاطر، ما يحبط عزيمة المستثمرين، إلى ذلك، فإن صغر حجم المشاريع القائمة لا يتناسب مع تكاليفها المرتفعة، هذا بالإضافة إلى أخطار أخرى قد تفرض نفسها في هذه الاقتصادات، ومنها ما يتعلق بالعملة والسياسة والقدرات التجارية والقدرات المؤسسية.
لذا، يجدر بالتغلب على التحديات التي تعيق مساعي تعاون القطاعين العام والخاص في مشاريع الإنشاءات والتنمية المستدامة أن يشكل أولوية قصوى في العقود القادمة، خاصةً وإن أردنا تحقيق الإنفاق العالمي المتوجب والمقدر بتريليونات الدولارات بحسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ونحن على إدراك تام في الفنار للمشاريع، بفضل خبرتنا العريقة، بحجم الأثر الاقتصادي المتضاعف الذي تحدثه مشاريع تطوير البنى التحتية، إذ تُحدث مشاريع الطاقة المتجددة الناجحة المتزايدة يومًا بعد يوم آثاراً تنموية إيجابية هائلة في المجتمع والاقتصاد مثلًا، ما يجذب بدوره الاستثمارات من القطاعين العام والخاص، زد على ذلك أن حكومات العالم النامي تبذل كافة المساعي اليوم لإبرام الكثير من الشراكات مع القطاع الخاص، وذلك من خلال طرح السياسات والأدوات التمويلية المختلف من قروض خضراء وسندات التأثير الاجتماعي.
ومما لا شك فيه أن الفرص المتوفرة هائلة حاليًا، حيث يشير تقرير صادر عن مؤسسة التمويل الدولية مؤخراً إلى قدرة المدن في الأسواق الناشئة على جذب استثمارات تتجاوز قيمتها 3.1 تريليون دولار إلى مشاريع الطاقة المتجددة والمياه والبنية التحتية في السنوات القادمة، ومن هذا المنطلق، فإن الجهات الحكومية التي ستُنشئ السياسات الملائمة ستنجح في إحداث آثار إيجابية هائلة تعود بالمنفعة على مجتمعاتها.
شراكات تدعم الجهات الحكومية وتعزز المجتمعات
نؤمن في الفنار للمشاريع بأن مستقبل عالمنا اليوم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بخفض انبعاثات الكربون، فيما يحتل إنشاء بنى تحتية مستدامة وفعالة مكانة كبرى باعتباره من أهم طرق دعم المجتمعات والحد من الأثر السلبي للتغير المناخي في النظم البيئية في العالم، ويبقى التحدي الأبرز متمثلاً في تنفيذ تلك المشاريع والتعاون بين القطاعين وإيجاد طرق فعالة يمكن للقطاع الخاص أن يدعم بها الحكومات فيما تشرع لتطبيق استراتيجيات تحول طموحة، ومن هنا تبرز أهمية الشراكات بين القطاعين العام والخاص في تمهيد الطريق لدفعة جديدة من مشاريع التنمية المستدامة في العالم، وبخاصة أن هذه الشراكات تستند إلى خبرات عريقة وستواصل بذل الجهود لإنشاء قيمة طويلة الأمد في السنوات القادمة.